نعم فاليُتم في أصل اللغة كما قال ابن منظور في لسان العرب :
هو أيضا الانفراد فإذا أمسى الطفل بانفراده ووحدته رغم والديه فهو يَحُسُ باليتم .
فالصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما نقش عليها .
فإن
عود الخير وربي على الإسلام ، سلم في الدنيا والآخرة ، وإن عود على الشر ،
وربي على موائد اللئام شقى وخسر ، وكان الوزر على رأس والديه :
{
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6]
وأخيراً : كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك ؟والجواب من الله تعالى
{وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [النساء:9]
فها هو عمر بن عبد العزيز يدخل عليه ابن عمه سلمة بن عبد الملك وهو على فراش الموت فقال : يا أمير المؤمنين إنك قد أقفرت أفواه ولدك من هذا المال !! فو أوصيت بهم إليَّ وإلى نظرائي من قومك فكفوك مئونتهم .
فلما سمع مقالته قال : أجلسوني فأجلسوه .
فقال : قد سمعت مقالتك يا مسلمة
أما قولك : إني أقفرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله ما ظلمتهم حقا هو لهم ، ولم أكن لأعطيهم شيئا لغيرهم .
وأما ما قلت في الوصية : فإن من وصيي فيهم : {
اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [الأعراف:196]
وإنما ولد عمر بين أحد رجلين : إما رجل صالح فسيعينه الله ، وإما غير ذلك فلن أكون أول من أعانه بالمال آدع لي بَنيَّ فأتوه .
فلما
رآهم ترقرقت عيناه وقال : نفسي فتية تركتهم عالة لا شيء لهم وبكى ، يا بني
إني قد ترك لكم خيراً كثيرا تمرون بأحد المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم
حقا .
يا بني إني قد مليت بين أمرين : إما أن تستغنوا وأدخل النار أو تفتقروا وأدخل الجنة فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إليّ .. قوموا عصمكم الله .. قوموا رزقكم الله ، وهذا لا يعارض أبدا الدخول في الأسباب ، فلا مانع على الإطلاق أن تسعى ، وأن تكدح شريطة ألا تضيع حق الله تعالى ثم حقوق أولادك من أجل أن توفر لهم السعادة في حياتك ، وبعد مماتك ، والأصل في ذلك
ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : (( جاءني رسول الله
r يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله ، إني قد بلغ بي الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا ، قلت : فالشَّطر يا رسول الله : قال : لا ، قلت : فالثلث ؟ قال : فالثلث والثلث كثير ثم قال : إنك إن تّذَر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ))