أثيرت الأيام الماضية وعلي أثر الحكم بإعدام رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي والضابط محسن السكري في مقتل المطربة سوزان تميم قضية العودة للدية.. فماهي الدية في الإسلام ؟ وما حكمها وكيفية تطبيقها ؟ ولماذا التعامل بها الآن وتعالي الأصوات بالرجوع إليها ؟ علما بأن الشريعة كل متكامل ولاتوجد بها ما في القانون من ثغرات تبعد بالجاني عن العقوبة.. "التعاون" تفتح الملف وكان هذا التحقيق.
يوضح الدكتور أحمد طه ريان عميد كلية الشريعة سابقا جامعة الأزهر معني الدية في الإسلام وهي ان يدفع القاتل للمقتول مبلغا من المال حسب البيئة الموجود فيها فإن كانت البيئة بدوية يدفع 200 جمل وإذا كانت بيئة متحضرة تتعامل بالذهب والفضة فإنه يدفع 1000 دينار من الذهب والدينار يساوي 4 جرامات ونصف وبالدراهم فهي 12 الف درهم هذا في حالة القتل الخطأ أما في حالة القتل العمد فإنه إذا ثبت عليه العمد مع سبق الإصرار وإستعمال الآلة القاتلة فإنه وجب فيه القصاص ويخير اهل القتيل بين الدية والقصاص فإذا إختاروا الدية فإنها في هذه الحالة تكون دية مغلظة أي أكبر قليلا من دية القتل الخطأ ويكون علي القاتل صوم شهرين متتابعين أي 60 يوما متواصلة كفارة لهذا الذنب.
ويؤكد الدكتور احمد ان الشريعة لم تغفل الحق العام للمجتمع فإذا كان اهل القتيل متنازلين عن حقهم سواء في القصاص او الدية او الاثنين معا فإن هناك حقا للمجتمع وهو أن يحبس القاتل سنة علي الأقل ويضرب ضربا شديدا كنوع من الزجر حتي لا يعود لهذا الفعل وردعا لأمثاله. ومعني هذا أن المصالحة بين اهل القتيل واهل المقتول لابد ان يؤخذ بها ولكنها لا يلغي الحق العام أو الكفارة.
ويوضح الدكتور احمد طه الريان ان الشريعة جاءت لمصلحة المجتمع ككل وهي متكاملة وإذا تساهل المجتمع في حقوق القتل سواء في الدية أو القصاص لتجرأ الناس علي سفك الدماء وتكامل الشريعة هذا يوضح لنا ما في القانون من نقصان فنجد أن بعض المحامين يتحايلون لتخليص الجاني من حبل المشنقة وذلك إستغلالا لثغرات القانون وهو ما يمنع الناس من الزجر الذي هو الحكمة الأساسية من العقوبة.
ويضيف الدكتور أحمد أن القانون يأخذ بجزء من نظام الدية في حالة القتل الخطأ ولكنها تسمي تعويضا ولذلك يطالب الدكتور احمد القانونيين بإرجاع الاسم الي مسماه الأصلي وهو الدية.
أما بالنسبة لإعدام أكثر من شخص في قضية قتل شخص واحد فقد ضرب الدكتور أحمد مثلا لذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب أن إمرأة في صنعاء صادقت رجلا بعد غياب زوجها (خيانة) وكان إبن زوجها موجودا. فإتفقت مع هذا الرجل الخائن وعصابته علي قتل الولد وكانوا حوالي ستة الي سبعة أشخاص ووصلت القضية الي الخليفة عمر بن الخطاب فأمر بقتلهم جميعا وقال قولا مشهورا (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا) وذلك طالما أن هناك إتفاقا سابقا علي القتل.
وتعليقا علي الاصوات التي تطالب بإلغاء أحكام الإعدام يري أن الإعدام فيه ردع للمجتمع لاننا محتاجون لهذا الردع والحفاظ علي النفس أقوي من أي أمور أخري.
باب للرحمة
أما الرأي القانوني فهو للدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائي ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا فتقول ان الله جعل القصاص عقوبة القتل ولكنه فتح بابا للرحمة وهو الدية ويجوز ان اهل المجني عليه يقبلوا الدية بديلا عن القصاص ولكن القانون آثم في عدم الإعتداد بذلك وحق المجتمع يمكن الحفاظ عليه بإصدار عقوبة تحذير في حالة الدية في القتل العمد وأن التشريع الجنائي الاسلامي نظام متكامل لا فرق فيه بين غني وفقير وهناك أحكام خاصة بالدية فإذا لم يستطع اهل القاتل دفعها فإن هناك من يتوب عنه أو غير ذلك وكذلك لابد من موافقة أهل الدم وعفوهم عن القاتل وذلك لإسترضائهم.
وتستنكر هل من الممكن ان يكون التشريع البشري افضل من التشريع الإلهي ؟
حقوق الانسان
أما الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع والمستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فتقول ان عقوبة الإعدام من العقوبات القصوي وفي كثير من الدول منعت هذه العقوبة نتيجة قسوتها وانها مضادة لحقوق الانسان اما في الشريعة الاسلامية فإنها موجودة ولكن لها قيود شديدة أهمها التأكد التام من ان الشخص قاتل وفي نفس الوقت اعطت مجالات لتخفيف العقوبة منها الدية والتسامح واخيرا القتل فاصبحت الدية معترف بها دينيا ومما يؤسف له أن القانون المصري يسأل عن حق الدولة ولكن ما يحدث من عقوبات إعدام بهذا الشكل البشع لايعطي للمجتمع أو الدولة حقوقهم بل بالعكس فإنه يضر المجتمع لأنك تضع قدرا كبيرا من العنف في نفوس أهل من يقتلون.
وتضيف الدكتورة عزة ان الإعدام بهذا الشكل خرج عن الدين فهناك اكثر من 100 حالة اعدام هذا العام أي ان حوالي 100 أسرة أولادها أعدموا مما حول هذه الأسر إلي أعداء للمجتمع فلابد من مراعاة الحالات الإنسانية والدوافع لهذه الجرائم.
وتتساءل الدكتورة عزة هل هذه الأحكام بالإعدام علي هؤلاء الأشخاص أدي إلي قلة الجريمة أو إلي الردع عن مثل هذه الجرائم ؟ فالردع يكون بمعالجة اسباب هذه الجرائم فالعنف لايردع بالعنف بل يؤدي إلي مزيد من العنف.
وتضيف الدكتورة عزة ان الشريعة الاسلامية قامت بتغطية كافة الأمور فنظام الدية في التشريع الإسلامي يؤدي الي نوع من التكافل في المجتمع فالكل سيشارك في هذه الدية وليس الفرد فقط ولكن كل المحيطين بهذا الفرد فهي تؤدي الي الترابط وذلك فعلها مثل النقطة في الافراح فهي نوع من المساعدة المستترة للعروسين.
لماذا الآن؟
ويعلق الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية وإمام أهل السنة وعضو مجمع البحوث الاسلامية متسائلا لماذا نرجع لإثارة هذا الأمر الآن ؟ ولماذا نريد العودة إلي الشريعة الآن عندما نجد فيها منفعة ما ؟ ولماذا لم نتكلم عن الشريعة في أمور أخري كالزنا والسرقة ؟ أننا نبحث في الإسلام عندما ينفعنا في أمر من الأمور مثلما يبحث الغرب الآن عن الإقتصاد الإسلامي بعد وقوع الأزمة المالية العالمية ولكن الإسلام كل متكامل بما فيه من قيم وسلوك وعبادات وتشريع فلايجب أن نأخذ منه جزءا ونترك الباقي بما يتماشي مع مصلحتنا.
ويضيف الدكتور المهدي أن كثرة حالات القتل هذه الأيام ترجع إلي أننا لا نطبق الإسلام بل نطبق القانون فالقصاص في الإسلام يجب أن يطبق من خلال أهل الدم وهم من يباشرون عملية القتل حتي يخرجوا ما بداخلهم من عنف تجاه القاتل هذا طبعا بإشراف الدولة وبعد التأكد من أن هذا الشخص هو القاتل.