الإنجاب نعمة من نعم الله على البشر لا يدرك قيمتها إلا من حُرم منها،
فهو الوسيلة الوحيدة لإعمار الأرض وتكوين الذرية، وهو أبرز السنن الفطرية
المترتبة على الزواج ولا امتناع عنه إلا بموانع صحية يقدرها الله لببعض
عباده فهو القائل عز وجلَّ "ويجعل من يشاء عقيما". قد لا يرضى البعض عما
قسمه الله له من ذرية، بسبب النوع أحيانا، فبعض الرجال يكرهون أن تكون
ذريتهم من الإناث، وقد يلجأون إلى الطلاق والزواج من أخرى ظنا منهم أنهم
بفعلهم ذلك سينجبون ذكورا، وهناك أيضا من الناس من لا يفرح بالابن إذا ما
خلقه الله بإعاقة جسدية أو ذهنية، وكلها سلوكيات سلبية منتشرة في مجتمعاتنا
نحاول أن نلقي الضوء عليها أملا في تقويمها.
أصبح التبني في الغرب سنة مجتمعية انتشرت في ربوعه ولم يعد فيها حرج،
فالأسر التي حُرمت من نعمة الإنجاب قد تلجأ إلى تبني طفل يعوضها نعمة
الأبوة، وهو أمر قد يبدو للوهلة الأولى حلا مقبولا ومريحا. مع ذلك، حرم
الإسلام التبني لما فيه من اختلاط في الأنساب؛ لذا جاء أمر الله صريحا في
قوله تعالى "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله"، أما أسباب التحريم فمنها أن
الابن المتبنى لا حق له في الميراث كونه ليس من صلب الأب المتبني وإذا
ورِّث فهو بذلك يحرم أقارب المتبني من حقهم الشرعي في الإرث، أضف إلى ذلك
أن الابن المتبنى، إذا كان ذكرا، لا يصح أن تكشف عورات نساء الأسرة عليه،
بما في ذلك الأم المتبنية. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
شدد على تحريم التبني، رجوعا لما رواه البخاري بأنه قال "ومن ادعى إلى غير
أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين."
ورغم موقف الإسلام الصارم من التنبي، فقد حض على الإحسان إلى الأيتام
ورعايتهم أفضل الرعاية، بل ودعا إلى كفالة اليتيم ومجهولي النسب ونهى عن
الإساءة إليهم، وقد روي عن الرسول الكريم أنه قال "أنا وكافل اليتيم كهاتين
في الجنة"، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.
تلجأ بعض الأسر العصرية في مجتماعتنا العربية إلى كفالة اليتيم بضمه إلى
أفراد الأسرة ومنحه الرعاية المطلوبة دون أن يحمل اسمها، ورغم الجوانب
الإيجابية المترتبة على كفالة اليتيم، هناك العديد من الأسباب التي تجعل
الأسرة التي تفكر في كفالة اليتيم تتردد في ذلك. من أبرز تلك الأسباب:
" صعوبة تأقلم الطفل مع بقية أفراد الأسرة، فهو سيعامل كوافد عليها ولن
يحصل على ود المحيطين بسهولة، فهو مهما كان غريب عنهم وقد تجد الأسرة حرجا
في اشتراكه معهم في تناول الطعام واستخدامه دورة المياه نفسها ونومه معهم
في غرفة نوم واحدة.
" قد يشعر الأبناء بالغيرة من حسن معاملة الطفل المكفول، فصغر سنهم قد
تمنعهم من فهم طبيعة ظروفه وأن معاملة الأبوين له بدافع الشفقة والعطف،
والأسوأ هو أن يشعر الطفل بذلك فيُصاب بالانكسار ويؤثر الانزواء عن
المحيطين.
" إذا كانت الأسرة التي تقدم على كفالة اليتيم لها ابن واحد فإنها قد
تتعرض لمشكلة رفض الابن وجود طفل آخر يشاركه اهتمام الأبوين وملابسه
وألعابه.
" وأهم الأسباب هو نظرة المجتمع للأسرة التي تكفل طفلا حيث لم يعتد على
ذلك، ولن يسلم الأمر من تعليقات وتساؤلات قد تؤذي الطفل وتصيب الأسرة
الكفيلة بالضيق أحيانا.
كفالة الأيتام وضمهم إلى أفراد الأسرة أمر يحتاج لتأمل وتفكير عميق قبل الشروع فيه لما يترتب عليه من أمور قد تغير حياة الأسرة.